التواصل الاجتماعي عبر وسائل الاتصال الحديث نعمة متميزة في مكان، ونقمة مدمرة في مكان آخر. يرى البعض أن وسائل التواصل الحديثة كأي مستحدث آخر لخدمة الإنسانية يساء استعماله بشكل يلغي في بعض الاحيان حتى حسناته. على سبيل المثال “السيارة”، يمكن استخدامها للوصول الى أماكن العمل او الترفيه او ايصال مريض للمستشفى او طالب الى مدرسته وكثيرا من الخدمات الايجابية الأخرى، ويمكن أن تستخدم باستهتار فتصبح اداة قتل للآخرين و للنفس أيضا.
تصيبني حالة من الاستنكار عند الاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، ومن خلال بحث اولي لم اجد في ثقافة اخرى مثل هذا الاستخدام السلبي كما يوجد في ثقافتنا العربية.
فتحت أسماء مستعارة نجد انتشار الأقوال البذيئة ضد الغير من دون رادع من ضمير أو أخلاق، كما يقوم البعض بتشويه أسماء وشخصيات مختلف معها سياسيا، وذاك التشويه يصل إلى حد ما يمكن أن يسمى باغتيال الشخصية الآثم، أي نشر الإشاعات المغرضة ضده و الاتهامات الفاضحة في شخصه وأسرته وسمعته.
من الظواهر الاخرى المتابعة الجهنمية والسلبية من بعض الاشخاص لاسماء الشخصيات العامة حتى لو تركت مناصبها العامة، فهي مطاردة في حلها وترحالها بالإشاعات السود وبفحش الكلام و الفسوق في الخصومة، و في كشف المستور او التعرية السياسية او الاجتماعية.
كم من الاشخاص يقوم بالسب واللعن والشتم واستخدام كلمات نابية على رؤوس الاشهاد، فقط لانه يكتب تحت اسم مستعار و مموّه، وانه غير معروف للاخرين. يستفيد من هذه الفرصة ضعاف النفوس والمهووسون وفاقدو القدرة على النقاش الموضوعي ومواجهة الخصم السياسي او الاجتماعي والثقافي.
كما ان هذا النوع من السلوك يشيع الكراهية بين الفئات المختلفة ويسمم أجواء المجتمع بإشاعة رذيلة الكذب، بخاصة انه يقع على نسيج اجتماعي – في الغالب – فاقد للقدرة على التمييز بين الخبيث والطيب، وبين الصدق والإشاعة، كما انه يعمق الجهل و ينشر الخصام و يشجع على تبني الأفكار المسبقة.
لا اعرف وسيلة من اجل الحد من كل تلك التشوهات غير التثقيف الايجابي و الحث على استخدام العقل والإنصاف مع الاخر “المختلف” وتلمس هوامش مشتركة بين الفئات المختلفة، حيث ان الاختلاف في معظمه سياسي، والسياسة اخذ وعطاء وفكرة تنقض فكرة.
من الاسباب التي تنشر هذا السلوك الخاطئ ايضا عدم القدرة عند الكثير منا على التفريق بين القول نفسه وقائله، بل في بعض الاوقات ينقل البعض قولا لآخرين فينظر ذلك المتوتر ان هذا القول المنقول هو قولنا نحن لا قول من نقل عنه فيتخذ موقفا عدائيا وشخصانيا حتى الثمالة.
ان العصر الذي نعيش فيه يتسم بغلبة المعلومات وسرعة انتشارها بين الناس بطرق شتى، والخطورة ان بعض هذه المعلومات زائفة او ملفقة كما يسمى بالانجليزية Disinformation . ان المعلومات تتضاعف كما يقول المتابعون بشكل سريع جدا، حتى قيل ان بعضها يتضاعف كل 14 يوما او حولها، وهذا يجعل من هذا السلاح اخطر أسلحة الاقناع ، والإقناع المضاد.. انه كالمضاد الحيوي لو استخدم بطريقة سلبية لأضعف الجسد إلى درجة الهلاك.
وقد رأينا في السنوات القليلة الماضية كيف كانت (تغريدة) واحدة غير منضبطة تطيح بأقوى شخصيات السياسة او الاعلام عندما تقع على مجتمع حيوي يعرف الرديء من الجيد.
الدكتور محمّد غانم الرميحي
د. محمّد غانم الرميحي هو أستاذ في علم الاجتماع السياسي، في جامعة الكويت وقد قدّم كتاباتٍ عديدة تتعلق بمواضيع علم الاجتماع السياسي، وشغل مناصب كثيرة، ومنها رئيس قسم ومساعد عميد كلية الآداب والتربية في جامعة الكويت. كان رئيس التحرير في عدد من المجلات والصحف على رأسها مجلة (العربي) الشهرية الشهيرة.